كانت ملاعب رولان غاروس الأحد على موعد مع إحدى أعظم المباريات النهائية في تاريخ البطولات الأربع الكبرى لكرة المضرب؛ إذ قدم الإسباني كارلوس ألكاراس والإيطالي يانيك سينر أوراق اعتمادهما كقوتين رئيسيتين ستهيمنان على لعبة الرجال لأعوام طويلة قادمة. ففي أول نهائي لبطولة فرنسا المفتوحة منذ أكثر من ثلاثة عقود بين لاعبين يبلغان من العمر 23 عاماً أو أقل، قدّم ألكاراس وسينر من دون شك الفصل الأكثر إثارة في هذه الخصومة الواعدة جداً، والمرشحة أن تتواصل لعقد قادم إن لم يكن أكثر من ذلك.
كانت المرة الأولى التي يلتقي فيها اللاعبان في نهائي بطولة كبرى، ولم تخيب الآمال مع التقلبات والمنعطفات والدراما والضربات المذهلة من البداية حتى النهاية.
قال ألكاراس بعد فوزه بأطول نهائي في تاريخ رولان غاروس بعدما امتد لخمس ساعات و29 دقيقة، وانتهى لصالح الإسباني 4-6 و6-7 (4-7) و6-4 و7-6 (7-4) و7-6 (10-2): «كانت أكثر مباراة إثارة لعبتها حتى الآن من دون أي شك. أعتقد أن مباراة اليوم كانت تحتوي على كل شيء».
وبالفعل، كانت مباراة ملحمية مليئة بالإثارة؛ إذ أنقذ ألكاراس في المجموعة الرابعة ثلاث نقاط لحسم اللقب لصالح منافسه في طريقه إلى تتويجه الخامس في البطولات الأربع الكبرى من أصل خمس مباريات نهائية.
ورأى ألكاراس أن وصوله إلى هذا الإنجاز في نفس عمر مواطنه الأسطورة رافايل نادال تماماً، 22 عاماً وشهر وثلاثة أيام، كان «قدراً».
طريقة فوزه بالمباراة كانت مذهلة بنفس قدر تتويج نادال بلقب بطولة ويمبلدون عام 2008 عندما تغلب على السويسري روجيه فيدرر في نهائي صُنّف من الأفضل أيضاً في تاريخ «الغراند سلام».
تردد ألكاراس في مقارنة فوزه الأحد على سينر بتلك المباراة بين نادال وفيدرر، لكنه كان واضحاً في تقييمه عندما اعتبر أن فوز الصربي نوفاك ديوكوفيتش على نادال في نهائي بطولة أستراليا المفتوحة عام 2012 كان أفضل من نهائي رولان غاروس 2025.
وقال بهذا الصدد: «إذا وضع الناس مباراتنا (الأحد) على تلك الطاولة، فسيكون ذلك شرفاً كبيراً بالنسبة لي. لا أعلم إن كانت بنفس مستوى تلك المباريات. لذلك، أترك الناس يتحدثون عنها إن كانت مشابهة بالنسبة لهم». وتابع: «لكني سعيد بوضع مباراتنا واسمينا (هو وسينر) في تاريخ البطولات الكبرى، في تاريخ رولان غاروس».
وأضفى المشهد في باريس وزناً أكبر على المقارنة بين خصومة الجيل الجديد من كبار اللعبة، والحديث هنا حصراً عن ألكاراس وسينر بسبب تفوقهما الكبير على الآخرين، وتلك التي اختبرها الثلاثي الكبير ديوكوفيتش ونادال وفيدرر.
رأى سينر أنه من الصعب المقارنة بين الأجيال المختلفة، لكنه يُقدّر كونه جزءاً من كل ذلك، مضيفاً: «أعتقد أن كل خصومة مختلفة عن الأخرى. من الجيد رؤية أننا نستطيع أيضاً تقديم كرة مضرب مماثلة؛ لأني أعتقد أن ذلك جيد لحركة كرة المضرب ككل».
وكان فيدرر ونادال من بين الذين تقدموا بالتهنئة لألكاراس وسينر على أدائهما الاستثنائي. وكتب فيدرر على وسائل التواصل الاجتماعي: «هناك ثلاثة منتصرين في باريس اليوم: كارلوس ألكاراس، ويانيك سينر، ولعبة كرة المضرب الرائعة. يا لها من مباراة!»، في حين كتب نادال المتوج بلقب «رولان غاروس» 14 مرة قياسية: «يا له من نهائي رائع لـ(رولان غاروس)!».
وكانت المباراة مثيرة لدرجة أن لاعبي منتخب إسبانيا لكرة القدم تجمعوا حول هواتفهم الجوالة لمشاهدتها قبل خسارتهم في نهائي دوري الأمم الأوروبية بركلات الترجيح أمام البرتغال الأحد في ميونيخ.
ومع اعتزال فيدرر ونادال وبلوغ ديوكوفيتش عامه الثامن والثلاثين، أزال نهائي الأحد أي شكوك حول بزوغ فجر حقبة جديدة، وأجاب عن السؤال حول من سيملأ الفراغ الذي تركه «الثلاثي الكبير».
وقال نجم كرة المضرب السابق السويدي ماتس فيلاندر، الفائز بسبعة ألقاب كبرى، لشبكة «تي آند تي» الرياضية: «لا أصدق كم نحن محظوظون لأننا سنشهد على هذه الخصومة لأنهما نقلا رياضتنا إلى مستوى آخر»، مضيفاً: «لم أتخيل قَطّ أني سأقول ذلك من بعد الثلاثة الكبار رافا وروجيه ونوفاك، لكنها (اللعبة) أسرع من أي وقت مضى. إنهما في مستوى يصعب تصديق قدرتهما على فعل ذلك».
وتواجه ألكاراس وسينر لأول مرة في الدور الثاني من دورة باريس لماسترز الألف نقطة عام 2021. منذ هذا الحين، حقق الإسباني 8 انتصارات من أصل 12 مواجهة، بينها آخر خمس مواجهات، لكن كلا اللاعبين ساهم حتى الآن بشكل كبير في نمو اللعبة مع أن ذروة مسيرتيهما لا تزال أمامهما.
وقال فيلاندر الذي فاز بأطول نهائي سابق في رولان غاروس عام 1982 حين احتاج إلى 4 ساعات و42 دقيقة لتخطي الأرجنتيني غييرمو فيلاس، إن «فيدرر ونادال قدما بعض المباريات النهائية الجيدة، لكن لا شيء يُضاهي هذا»، مضيفاً: «قلت لنفسي: (هذا مستحيل، إنهما يلعبان بسرعة لا تمت لبني آدم بصلة). هذان اثنان من أفضل الرياضيين الذين يمكن للبشرية أن تُقدمهم، وشاءت الصدفة أن يكونا لاعبَي كرة مضرب».