عضلات روبوتية تُداوي جراحها ذاتياً... اختراق علمي يمهّد لعصر الآلات الشافية

روبوت على شكل امرأة يلوّح بيده في مركز بكين لتطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر (إ.ب.أ)
روبوت على شكل امرأة يلوّح بيده في مركز بكين لتطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر (إ.ب.أ)
TT

عضلات روبوتية تُداوي جراحها ذاتياً... اختراق علمي يمهّد لعصر الآلات الشافية

روبوت على شكل امرأة يلوّح بيده في مركز بكين لتطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر (إ.ب.أ)
روبوت على شكل امرأة يلوّح بيده في مركز بكين لتطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر (إ.ب.أ)

في خطوةٍ لافتة على طريق تقليد الطبيعة، تمكّن فريق من المهندسين في جامعة نبراسكا- لينكولن الأميركية من تطوير عضلة روبوتية قادرة على اكتشاف الضرر الذي يصيبها، ومعالجته ذاتياً، ثم إعادة ضبط نفسها لرصد الأضرار المستقبلية، في إنجازٍ يفتح الباب أمام استخدامات واسعة في مجالات الروبوتات والأنظمة القابلة للارتداء، وفقاً لموقع «ساينس ديلي»

وجاء الإعلان عن هذا الابتكار، خلال المؤتمر الدولي «IEEE» للروبوتات والأتمتة، الذي استضافته مدينة أتلانتا بولاية جورجيا.

وقدَّم الفريق، بقيادة المهندس إريك ماركيفيكا وبمشاركة طلاب الدراسات العليا، ورقة بحثية تناولت النظام المتكامل الذي طوّروه، والقادر على كشف إصابات ناجمة عن ثقب أو ضغط حاد، وتحديد موقعها بدقة، ثم بدء عملية الإصلاح الذاتي دون تدخُّل بشري.

وقال ماركيفيكا، في حديثه خلال المؤتمر: «الجسم البشري والحيوانات تتمتع بقدرة مدهشة على الشفاء الذاتي. نسعى لتقليد هذه الميزة في الأنظمة الاصطناعية، وهو ما قد يُحدث نقلة نوعية في عالم الإلكترونيات والأجهزة الذكية».

ثلاث طبقات... وجهاز يتعلّم من الإصابات

العضلة المطورة، أو ما يُعرف بالمشغّل (Actuator)، تتكون من ثلاث طبقات تؤدي أدواراً تكاملية:

• الطبقة السفلية: عبارة عن جلد إلكتروني مرن يحتوي على قطرات من المعدن السائل مزروعة داخل مادة سيليكونية، مسؤولة عن استشعار الضرر.

• الطبقة الوسطى: مكونة من مادة لدنة حرارية تمتاز بخاصية الشفاء الذاتي.

• الطبقة العلوية: مسؤولة عن تحويل الضغط المائي إلى حركة فعلية للعضلة.

ويقوم النظام بتمرير تيارات كهربائية عبر الجلد السفلي المرتبط بدائرة تحكم واستشعار دقيقة. وعند تعرّض العضلة لضرر ميكانيكي، يُنشئ هذا الضرر مساراً كهربائياً جديداً يتعرف عليه النظام ويزيد التيار المارّ فيه ليولّد حرارة كافية لإذابة المادة الوسطى، ما يؤدي إلى اندماج الشقوق والتئامها في غضون دقائق.

وبعد إتمام الشفاء، يستخدم النظام ظاهرة الهجرة الكهربائية، وهي حركة ذرات المعدن تحت تأثير التيار، لإزالة المسارات التي خلّفها الضرر، وإعادة النظام إلى حالته الأصلية.

وأشار ماركيفيكا إلى أن الهجرة الكهربائية طالما عُدّت مصدر قلق في هندسة الدوائر بسبب آثارها السلبية، لكننا، لأول مرة، نعيد توظيفها بشكل إيجابي لمسح بصمة الضرر وإعادة ضبط النظام ذاتياً.

آفاق واعدة وتطبيقات بيئية

ويرى الخبراء أن هذه التقنية قد تفتح آفاقاً واسعة أمام الصناعات المختلفة. ففي الولايات الزراعية، حيث تتعرض الروبوتات الميدانية للتمزق المستمر من أغصان الأشجار والزجاج والبلاستيك، يمكن أن تمثل هذه العضلات ذاتية الشفاء حلاً طويل الأمد، كما قد تُحدث التقنية تحولاً في مجال الأجهزة القابلة للارتداء، التي تُستهلك يومياً وتتعرض لضغوط متكررة.

كذلك، يُتوقع أن تسهم التقنية في تقليص حجم النفايات الإلكترونية عالمياً. فمعظم الأجهزة الحديثة تُستبدل في غضون عامين، وتخلف وراءها ملايين الأطنان من المخلَّفات التي تحتوي على مواد سامة. وقد يساعد دمج تقنيات الشفاء الذاتي في إطالة عمر هذه الأجهزة وتخفيف أثرها البيئي.

واختتم ماركيفيكا تصريحه قائلاً: «نحن لا نعيد فحسب تصميم المواد، بل نعيد تصور العلاقة بين الإنسان والآلة. الأنظمة التي تُصلح نفسها ليست مستقبلاً بعيداً، بل باتت واقعاً يتشكّل اليوم».


مقالات ذات صلة

روبوت يرصد صحة النباتات من الداخل

يوميات الشرق الروبوت الجديد قادر على إمساك أوراق النباتات بلطف وحقنها بمستشعرات دقيقة (جامعة كورنيل)

روبوت يرصد صحة النباتات من الداخل

طوَّر باحثون من جامعة كورنيل الأميركية روبوتاً جديداً قادراً على إمساك أوراق النباتات بلطف وحقنها بمُستشعرات دقيقة، ما يسمح برصد حالتها الصحية بدقّة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تكنولوجيا الذراع الروبوتية تُحرّك عن بُعد باستخدام أشعة الليزر فقط (جامعة رايس)

روبوت ينفّذ مهام دقيقة بإشارات ضوئية فقط

نجح باحثون بجامعة رايس الأميركية في تطوير ذراع روبوتية مرنة قادرة على أداء مهام معقدة، مثل المناورة حول العوائق أو ضرب كرة، دون الحاجة لأي إلكترونيات أو أسلاك.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق فيديو: روبوتات على الحلبة

فيديو: روبوتات على الحلبة

شهدت إحدى المدارس في مدينة هانغتشو الصينية عرضاً استثنائياً لروبوتات بشرية متقدمة، طوّرتها شركة «Unitree Robotics»، وذلك قبيل انطلاق أول بطولة ملاكمة من نوعها.

«الشرق الأوسط» (هانغتشو)
تكنولوجيا معظم روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي قد تُخدع لتوليد ردود ومعلومات ضارة وخطيرة (رويترز)

«تقدم تعليمات لتنفيذ جرائم»... البشر يخدعون روبوتات الدردشة لحصد «معلومات خطيرة»

حذّرت دراسة جديدة من سهولة خداع معظم روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لتوليد ردود ومعلومات ضارة وخطيرة وغير قانونية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا روبوت في مركز بكين لتطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر يحرك برتقالة بصفة أنه عرض توضيحي (رويترز)

مسؤول صيني: الروبوتات لن تحل محل البشر

كشف مسؤول صيني يشرف على مركز للتكنولوجيا في بكين أن الروبوتات الشبيهة بالبشر في الصين لن تحل محل العمالة البشرية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

شركة ذكاء اصطناعي... تسعى للاستيلاء على وظيفتك

شركة ذكاء اصطناعي... تسعى للاستيلاء على وظيفتك
TT

شركة ذكاء اصطناعي... تسعى للاستيلاء على وظيفتك

شركة ذكاء اصطناعي... تسعى للاستيلاء على وظيفتك

قبل عدة سنوات، عندما بدأتُ الكتابة عن جهود وادي السيليكون لاستبدال العمال والموظفين واستخدام الذكاء الاصطناعي، كان لدى معظم المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا، على الأقل، الجرأة الكافية للكذب بشأن ذلك.

طمأنة خادعة للعاملين من تأثيرات الذكاء الاصطناعي

كان المديرون التنفيذيون يقولون لي: «نحن لا نُؤتمت العاملين، بل نُعزز قدراتهم. وأدوات الذكاء الاصطناعي لدينا لن تُدمر الوظائف، بل ستكون أدوات مساعدة تُحرر العاملين من العمل الروتيني».

بالطبع، كانت مثل هذه العبارات - التي غالباً ما كانت تهدف إلى طمأنة العاملين المتوترين وتغطية خطط أتمتة الشركات - تُشير إلى محدودية التكنولوجيا أكثر من دوافع المديرين التنفيذيين. في ذلك الوقت، لم يكن الذكاء الاصطناعي كافياً لأتمتة معظم الوظائف، وبالتأكيد لم يكن قادراً على استبدال العاملين الحاصلين على تعليم جامعي في قطاعات الأعمال المكتبية مثل التكنولوجيا والاستشارات والتمويل.

أولى النذائر.. ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين الجدد

هذا بدأ يتغير، إذ تستطيع بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم كتابة برمجيات، وإنتاج تقارير بحثية مفصلة، ​​وحل مسائل رياضية وعلمية معقدة. أما «وكلاء» الذكاء الاصطناعي الأحدث، فهي قادرة على تنفيذ سلسلة طويلة من المهام، والتحقق من عملها بأنفسها، كما يفعل الإنسان.

وبينما لا تزال هذه الأنظمة أقل كفاءة من البشر في العديد من المجالات، يخشى بعض الخبراء من أن الارتفاع الأخير في معدلات البطالة بين خريجي الجامعات يُعدّ مؤشراً على أن الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل كبديل لبعض الموظفين المبتدئين.

مؤسسو الشركة من اليسار: بيسير أوغلو وماثيو بارنيت وإيجي إرديل

شركة ناشئة لأتمتة الوظائف

يوم الخميس، ألقيتُ نظرة خاطفة على مستقبل ما بعد العمل في فعالية أقامتها شركة «ميكانايز (Mechanize)» في سان فرانسيسكو، وهي شركة ناشئة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، ولديها هدف طموح يتمثل في أتمتة جميع الوظائف - وظيفتك، ووظيفتي، ووظائف الأطباء والمحامين، والأشخاص الذين يصممون برامج الكمبيوتر وينشئون المباني ويرعون الأطفال.

قالت تاماي بيسير أوغلو، البالغة من العمر 29 عاماً، من مؤسسي «ميكانايز»: «هدفنا هو أتمتة العمل بالكامل. نريد الوصول إلى اقتصاد آلي بالكامل، وتحقيق ذلك في أسرع وقت ممكن».

إن حلم الأتمتة الكاملة ليس جديداً. إذ تنبأ جون ماينارد كينز، الخبير الاقتصادي، في ثلاثينات القرن العشرين بأن الآلات سوف تقوم بأتمتة جميع الوظائف تقريباً، ما يخلق وفرة مادية ويترك الناس أحراراً في متابعة هواياتهم.

هذا لم يحدث قط، بالطبع. لكن التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي أعادت إحياء الاعتقاد بأن التكنولوجيا القادرة على أتمتة العمل الجماعي باتت قريبة.

وكان داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة أنثروبيك، قد حذّر أخيراً من أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل ما يصل إلى نصف جميع الوظائف المكتبية المبتدئة في السنوات الخمس المقبلة.

التعليم المعزز

وتُعد شركة «ميكانايز» واحدة من عدد من الشركات الناشئة التي تعمل على تحقيق ذلك. تأسست الشركة هذا العام على يد بيسير أوغلو وإيجي إرديل وماثيو بارنيت، الذين عملوا معاً في شركة إيبوك إيه آي، وهي شركة أبحاث تدرس قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وقد جذبت استثمارات من رواد التكنولوجيا المعروفين، بمَن فيهم باتريك كوليسون، مؤسس «سترايب»، وجيف دين، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في «غوغل». ويعمل لديها الآن خمسة موظفين، وتتعاون مع شركات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

يركز نهج شركة «ميكانايز» لأتمتة الوظائف باستخدام الذكاء الاصطناعي على تقنية تُعرف باسم التعلم المعزز - وهي نفس الطريقة التي استُخدمت لتدريب جهاز كمبيوتر على ممارسة لعبة الطاولة «غو» بمستوى خارق للطبيعة قبل ما يقرب من عقد من الزمان.

تستخدم شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة اليوم التعلم المعزز لتحسين مخرجات نماذجها اللغوية، من خلال إجراء عمليات حسابية إضافية قبل توليد إجابة. وقد حققت هذه النماذج، التي تُسمى غالباً نماذج «التفكير (thinking)» أو «الاستدلال (reasoning)»، أداءً ممتازاً في بعض المهام المحددة، مثل كتابة التعليمات البرمجية أو حل المسائل الرياضية.

نظم ذكية لمهمات متعددة

لكن معظم الوظائف تتضمن القيام بأكثر من مهمة واحدة. ولا تزال أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي اليوم غير موثوقة بما يكفي للتعامل مع أعباء

عمل أكثر تعقيداً، أو التعامل مع أنظمة الشركات المعقدة. ولإصلاح ذلك، تعمل «ميكانايز» على إنشاء بيئات تدريب جديدة لهذه النماذج - وهي في الأساس اختبارات مُعقدة يمكن استخدامها لتعليم النماذج ما يجب القيام به في سيناريو مُعين، والحكم على مدى نجاحها من عدمه.

بدأت شركة ميكانايز العمل في مجال برمجة الحاسوب، وهو مجالٌ أظهر فيه التعلم المعزز بعض النجاح. لكنها تأمل في إمكانية استخدام الاستراتيجية نفسها لأتمتة الوظائف في العديد من المجالات الإدارية الأخرى.

وكتبت الشركة في منشورٍ حديث على مدونتها: «لن ندرك نجاحنا إلا بعد أن نبتكر أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تحمل جميع المسؤوليات تقريباً التي يمكن للإنسان القيام بها على الحاسوب».

الأتمتة الكاملة ستتم خلال نحو 20 سنة

ويدرك مؤسسو «ميكانايز» تماماً صعوبة أتمتة الوظائف بهذه الطريقة. فقد أخبرني بارنيت أن أفضل تقديراته تشير إلى أن الأتمتة الكاملة ستستغرق من 10 إلى 20 عاماً بينما يتوقع إرديل وبيسير أوغلو أن تستغرق من 20 إلى 30 عاماً.

وقد وجدتُ أيضاً أن عرضهم يفتقر، بشكلٍ غريب، إلى التعاطف مع الأشخاص الذين يحاولون استبدال وظائفهم، ولا يُبالون بمدى استعداد المجتمع لمثل هذا التغيير الجذري. وقال بيسير أوغلو إنه يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيُحقق في النهاية «وفرة هائلة» وثروة يُمكن إعادة توزيعها على العمال المُسرّحين، في شكل دخل أساسي شامل يُمكّنهم من الحفاظ على مستوى معيشي مرتفع.

أخلاقيات إزاحة العامل البشري

في مرحلة ما خلال جلسة الأسئلة والأجوبة، سألتُ: هل من الأخلاقي أتمتة جميع أنواع العمل؟ أجاب بارنيت، الذي وصف نفسه بأنه ليبرالي، بـ«نعم». ويعتقد بارنيت أن الذكاء الاصطناعي سيُسرّع النمو الاقتصادي ويُحفّز تحقيق إنجازات تُنقذ الأرواح في الطب والعلوم، وأن مجتمعاً مزدهراً يعتمد على الأتمتة الكاملة سيكون أفضل من اقتصاد منخفض النمو حيث لا يزال البشر يمتلكون الوظائف. وأضاف: «إذا أصبح المجتمع كله أكثر ثراءً بكثير، فأعتقد أن ذلك سيُطغى على مساوئ فقدان الناس وظائفهم».

* خدمة «نيويورك تايمز».