كلّ من توم كروز وسلسلة «المهمّة: مستحيلة» متلازمان كأصبعي الدلالة والوسطى في اليد الواحدة؛ لا انفصال بينهما. فليس هناك نجاحٍ يوازي نجاحَ توم كروز دون هذه السلسلة، ولا من مجدٍ تحققه السلسلة دون وجوده.
منذ صدور الفيلم الأول عام 1996، وحتى الفيلم الثامن والأخير «مهمّة: مستحيلة - الحساب الأخير» (Mission: Impossible – The Last Reckoning)، حققت السلسلة إيرادات بلغت 4 مليارات و348 مليوناً و810 آلاف و82 دولاراً.
علماً أن الفيلم الثامن بدأ عرضه التجاري فور انتهائه من العرض العالمي الأول في مهرجان «كان» الأخير، وحقق حتى الآن أكثر من نصف ميزانيته التي بلغت 400 مليون دولار.
ذكاء تجاري
كل من السلسلة وتوم كروز كان بمثابة الوزّة التي تبيض ذهباً. المرتّب الأول لتوم كروز في عام 1996 بلغ 70 مليون دولار.
ويبلغ دخل توم كروز الأخير، بوصفه ممثلاً وشريك إنتاج، أكثر من 120 مليون دولار.
بهذا، برهن كروز عن ذهن تجاري لامع صاحَب كل فيلم من السلسلة التي قام ببطولتها، كما في أفلامه الأخرى، سواء المنتمية إلى مسلسل «توب غن» (Top Gun)، أو إلى أفلام منفردة كحال «ڤانيلا سكاي» (Vanilla Sky)، و«الساموراي الأخير» (The Last Samurai).
العامل الأول في هذا النجاح الثنائي بين الممثل وسلسلته الأشهر، الذي يسبق حتى إتقان لعبة «البزنس» نفسها، هو عنصر الحركة.
معظم ممثلي أفلام الأكشن في الماضي، من أيام جوني ويسمولر في دور طرزان في الأربعينات، وما بعدها (ستيفن سيغال، وجاكي تشان، وجيسون ستاثام، ومات دامون، وسيلفستر ستالون، وآخرون كثيرون)، اعتمدوا على اللياقة البدنية وخفّة الحركة لتجسيد أدوار القتال والمغامرة بنجاح.
لكن لا أحد، على الأقل في الذاكرة، يتقدم على كروز في تمثيل المشاهد الصعبة التي تجذب انتباه المشاهدين بشكل استثنائي، كونها مصمّمة بإتقان ومُمثّلة بهذا الشكل.
سواء تدلّى كروز من سقف حجرة مغلقة لسرقة محتويات خزنة (في الجزء الأول)، أو تدلّى من فوق برج خليفة في الجزء الرابع (MI: Ghost Protocol)، أو كان معلّقاً خارج طائرة ترتفع به، كما في الجزء الخامس (MI: Rogue Nation)، أو متدلّياً من طائرة مروحية كما في الفيلم الجديد، فإن التصوير يتميّز بجديّته.
يقنعك كروز بأنه يُمثّل ما يقوم به، وهو في أفلامه يُنجز مشاهد الخطر بنفسه، مدركاً أن ذلك يعني كثيراً للجمهور الذي يتابع مسلسل مغامراته، ويقرّب المسافة بين أنفسهم وبين ما يرونه ويعيشونه خلال الفيلم.
بين كروز وسواه
آخرون في مهنة الأفلام المشابهة يعتمدون على التكنولوجيا أكثر من اعتمادهم على التفعيل البدني.
قارن توم كروز بما كان يقوم به شون كونري، وروجر مور، ودانيال كريغ في أفلام جيمس بوند، تجدهم مرتاحين إلى حقيقة أن آخرين سينجزون تلك المهام، وإلى أن الظروف الصعبة والحاسمة محلولة غالباً بالاعتماد على الأدوات التقنية (سيارات مزوّدة بقدرات متعددة، ساعة تطلق حبالاً، وغيرها...).
وعلى ذلك، وفي حين نجد أن سلسلة بوند التي عرفناها ستغيب عن الظهور بالشكل والمحتوى، لتحلّ مكانها بدائل من «أمازون» تُسخّر آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا، نجد أن سلسلة «مهمّة: مستحيلة» وفّرت أصنافاً من الاعتماد على الأفكار، والحبكات، والمضامين من ناحية، وتفعيلها في الأفلام على سياق متوازن بين الجهد البشري والقيمة البصرية من ناحية أخرى.
يتصدّى «مهمّة: مستحيلة - الحساب الأخير» من هذه السلسلة للواقع الجديد، المتمثل في صراع الإنسان من أجل البقاء ضد عدو لم يُرصد له مثيل من قبل، وهو الذكاء الصناعي.
ما من نجاحٍ يوازي نجاحَ توم كروز دون هذه السلسلة، ولا من مجدٍ تحققه السلسلة دون وجوده
العدو الحقيقي
القصة في هذا الجزء الأخير ليست سهلة المتابعة. على المرء أن يقرأ السيناريو بنفسه، أو يحصل على نصٍ كامل للحكاية التي تدور حولها، والتي لا تتعامل مع المغامرة المعهودة لإيثان هانت (كروز) بوصفه رجل المهام الصعبة (عفواً، المستحيلة!)، بل تضعه في مواجهة قدرات الذكاء الاصطناعي التي تهدّدنا بالدمار النووي.
لإيقاف الدمار المحتمل، على هانت وجماعته التعامل مع الرجل الذي يمتلك آلة الذكاء الاصطناعي (اسمها في الفيلم «إنتيتي»)، والذي يشترط بدوره أن يسلّمه هانت مفتاحاً هو بحاجة إليه لتفعيل النظام، من دون ضمانات بأنه سيعمد إلى التدخّل لمنع الكارثة.
لا يخشى الفيلم إظهار ضعف الإنسان وقواه البدنية أمام عدوه الآلي.
بذلك، لا يتردَّد الكاتب والمخرج كريستوفر ماكوايري (الذي أخرج الأفلام الأربعة الأخيرة من السلسلة) في الذهاب إلى أبعد ما يمكن في تفعيل هذا العنصر، حيث يعاني هانت من التعب، والاعتقال، والتعذيب، والوقوع في مخاطر لم يكن يحسب لها حساباً.
صحيح أن هذه العوامل ظهرت في كل فيلم من السلسلة سابقاً، إلا أنها تستوطن بُعداً جديداً الآن، لأن العدو كامن في هيكل إلكتروني غامض، يملك القدرة على القضاء على الحياة بقرار ذاتي.
في مطلع الفيلم، تظهر رسالة صوتية تُحدّد هوية الصراع بين الخير والشر. تقول إن حياة كل فرد ليست محددة بفعلٍ معين، بل هي «مجموع خياراتنا».
في ذلك لمحة عن أن حياة إيثان هانت في أفلام السلسلة السابقة هي التي ستقوده إلى مواجهة النهاية، المتمثلة في هذا الفيلم، كما في السلسلة كلها. وهي أيضاً السقف الأعلى من المضامين الذهنية والفكرية بين أي سلسلة مماثلة.