دليلك إلى وجهات سياحية سكنها أهم أدباء لبنان

بشرّي وبسكنتا والفريكة قرى لا تشبه سواها

بسكنتا من المصايف الجميلة في لبنان (فيسبوك)
بسكنتا من المصايف الجميلة في لبنان (فيسبوك)
TT

دليلك إلى وجهات سياحية سكنها أهم أدباء لبنان

بسكنتا من المصايف الجميلة في لبنان (فيسبوك)
بسكنتا من المصايف الجميلة في لبنان (فيسبوك)

يزخر لبنان بمواقع سياحية مشهورة ، من بينها منطقة الروشة وقلعة بعلبك سيدة لبنان (حريصا) والبترون وجبيل وغيرها، وهذه الوجهات غالباً ما تكون على رأس جدول زيارة أي سائح في لبنان.

ولكن هذه المرة تقوم «الشرق الأوسط» بمشوار في بلدات لبنانية تتميز بطبيعتها الخلابة، وبكونها مسقط رأس أهم الأدباء والفلاسفة. وهي بشرّي وبسكنتا والفريكة. وإلى جانب طابعها الثقافي، فإن هذه البلدات تعدّ وجهات سياحية خلّابة. ويستطيع الزائر خلالها زيارة معالم ومواقع تاريخية، وتمضية أوقات مسليّة.

بشرّي... جنّات على مدّ النظر

تقع بشرّي في قضاء يحمل اسمها، وتبعد عن بيروت نحو ساعتين بالسيارة. وتتمتع بطبيعة جميلة، ولا سيما أنها تحتضن أهم غابات الأرز في لبنان «أرز الرب». التي أدرجتها اليونسكو على خريطة معالمها التراثية العالمية.

تقع غابة «أرز الرب» في بشري بالقرب من وادي قنوبين. وقد أصبحت اليوم محمية طبيعية مخصصة لإنقاذ الأرز اللبناني. وتتجلى أهميتها التاريخية في أنها الغابة الأساسية التي قطع الفينيقيون أخشابها ليبنوا سفنهم ومعابدهم وليتاجروا بها مع المصريين والآشوريين.

متحف جبران... مساحة تحكي حياته

ولد الفيلسوف والأديب اللبناني جبران خليل جبران في بلدة بشرّي عام 1883. وعندما توفي اشترت شقيقته مريانا دير مار سركيس وكهفه. فشقيقها كان يتمنى القيام بذلك لتمضية فترة تقاعده فيه. وتحوّل الدير إلى متحف له عام 1975.

متحف جبران خليل جبران في بشري (فيسبوك)

وفي عام 1995، تم توسيع المتحف بشكل أكبر، وزوّد بمعدات حديثة تمكّنه من عرض المجموعة الكاملة من مخطوطات جبران ورسومه ولوحاته.

يتضمن المتحف المحفور بالصخر 16 غرفة ذات سقف منخفض ومساحات ضيقة مرقّمة بالعدد الروماني المحفور على خشب الأرز. تتوزع الغرف على 3 طوابق تتعاقب في أدراج لولبية تؤدي في النهاية إلى المغارة التي شاءها مدفنه الأخير. المتحف عبارة عن دير «مار سركيس» الذي يفوق عمره 1500 عام، وتمنى الأديب أن يصبح «صومعة» فكرية ومقراً له بعد عودته من المهجر. لكن حلمه لم يتحقق، وبعد وفاته حمل جثمانه إلى بشري ليدفن في الدير نفسه بناء على وصيته. ويستطيع زائر المتحف التعرّف إلى محطات من حياة جبران، ويطّلع عن قرب على لوحاته وكتاباته، وفيه أيضاً مرسمه، ومكتبه وكرسيه الخاص وسريره.

زيارة بشري تختتم في جلسة من العمر

تزدهر بشري بمطاعمها ومقاهيها المشرفة على طبيعتها الخلابة، وبينها الأقرب إلى غابة الأرز «لو شاتيل» و«مقهى الأرز» و«جنة الأرز». ومن المعالم السياحية التي ينصح بها في منطقة بشري، زيارة دير قنوبين ودير مار سمعان الأثريين، وكذلك المدفن الفينيقي في قمة جبل سركيس.

بسكنتا... ملهمة الشعراء

تعدّ بسكنتا من أهم البلدات الجبلية في قضاء المتن. ويقصدها الزوار في الشتاء لممارسة رياضة التزلج، وفي الصيف للتنعمّ بطبيعتها الملهمة للشعراء.

ويعدّ الأديب ميخائيل نعيمة من أشهر أبنائها. وحين عاد إلى لبنان عام 1932 من هجرته الأميركية، استقرّ في مسقط رأسه بسكنتا، واختار تلة خارجها تسمى «الشخروب» ليبني «عرزالة» عليها. واعتزل فيه قارئاً، وكاتباً ومفكراً ومتأملاً. هناك ألّف عدداً كبيراً من كتبه، فلُقّب بـ«ناسك الشخروب».

تتميز البلدة بمعالمها الطبيعية والجغرافية، إذ يحيط بها جبل صنين ووادي الجماجم وقناة باكيش ونبع صنين، مما أكسبها جمالاً طبيعياً استثنائياً.

غابة الأرز في بلدة بشرّي (فيسبوك)

درب بسكنتا الأدبي

أفضل طريقة لاكتشاف البلدة هي من خلال درب بسكنتا الأدبي. وتتوفّر جولات مشي لمسافات طويلة تتيح فرصة اكتشاف أبرز المواقع الثقافية والطبيعية في القرية. وتبدأ الجولة من حديقة ميخائيل نعيمة التذكارية حيث يقع ضريحه وتمثاله، وتنتهي في منزل الكاتب سليمان كتاني، الذي عاش في بسكنتا بين عامي 1965 و2004.

ويستمتع هواة رياضة المشي بالسير بين بساتين الفاكهة والنباتات البرية والأزهار. كما يمكن من خلال هذا الدرب التعرف إلى منزل نعيمة الصيفي، حيث كتب سيرته الذاتية. بعد ذلك، ينتقل الزائر لمشاهدة نقوش رومانية تعود إلى زمن الإمبراطور هادريان. وفي منتصف الطريق عبر الوادي، توجد مغارة سيف الدولة العباسي الذي حكم في القرن العاشر الميلادي، والذي اشتهر بحماية الشعراء وتشجيع التعليم. ومن مواقع الدرب المميزة غابة الأرز الصغيرة. ويمكن في هذا الدرب الاطلاع على المركز الثقافي لبسكنتا، ويحمل اسم عبد الله غانم، الشاعر والفيلسوف والصحافي المولود في بسكنتا. وقد استوحى معظم قصائده من الريف والحياة التقليدية في المنطقة.

ميخائيل نعيمة (فيسبوك)

الفريكة... ولّادة الفيلسوف

ترتبط بعض البلدات اللبنانية ارتباطاً مباشراً بأسماء أدباء وصلوا العالمية. ومن بينها الفريكة، وتقع في قضاء المتن الشمالي. وصفها ابنها أمين الريحاني بدقة في كتاباته. وتحدّث عن وادي الفريكة وأزهار الدفلي وملتقى الجبال على منكبي وادي الفريكة. ويرد البعض اسمها إلى كلمة فريكة السريانية، وتعني النبع. فيما يؤكد آخرون أن اسمها يرتبط بموسم اللوز الأخضر (الفرك) فيها.

متحف أمين الريحاني

بعد وفاة أمين الريحاني عام 1940، عكف شقيقه ألبرت على جمع تراثه من كتب ومخطوطات، ورسائل وأوراق خاصة ومقتنيات. فقضى 14 عاماً يجمع فيها ليشكل بذلك نواة لمتحف في منزله بالفريكة في لبنان عام 1953.

متحف أمين الريحاني (فيسبوك)

تابع ابنه ألبرت الريحاني مهمته إلى أن وقف على كل أعمال الأديب ومتروكاته، وأفرد الطابق الأرضي من المنزل ليكون متحف أمين الريحاني. ثم في عام 1990 افتتح المتحف الجديد أمام الزوار. ويضم متحف أمين الريحاني 10 أجنحة. ومن بينها «البدايات»، أي تاريخ هجرته إلى أميركا. وقسم «سنوات خالد» وتتضمن مرحلة حياة الريحاني بعد عودته إلى مسقط رأسه. وفي أقسام «اختيار الغرب» و«الحلم العربي» وصولاً إلى الجناحين السادس والسابع. ونطل في هذين الأخيرين على لوحاته الـ66 المرسومة بيده. فيما الجناح التاسع خصّص لزوجته الأميركية برتا. والجناح الأخير من المتحف لم يحمل اسماً، ويحتوي على كتب عن الريحاني. واحتوى كذلك ما كتبته عنه الصحافة العربية والأجنبية من جهة. ومن جهة أخرى، احتوى المؤلفات والأطروحات التي وضعت عنه بلغات مختلفة. وهذه الكتابات تعدّ مجموعة وثائقية تشير خلاصتها إلى أن 43 دولة كتبت عن أمين الريحاني.

وتشتهر الفريكة بمواقعها الدينية وبطبيعتها المشرفة على البحر وعلى جبال صنين، وتبعد عن بيروت نحو 20 كيلومتراً.


مقالات ذات صلة

قصرنبا اللبنانية... بلدة بقاعية تعبق برائحة الورود

سفر وسياحة مجموعات من لبنان وخارجه تقصد قصرنبا للمشاركة بقطاف الورد ( إنستغرام)

قصرنبا اللبنانية... بلدة بقاعية تعبق برائحة الورود

تشتهر بلدة قصرنبا البقاعية بمروج الزهور التي تغطي مساحات كبيرة من أراضيها. فأهل هذه القرية ينشغلون في فصل الربيع بقطاف الورد.

فيفيان حداد (بيروت)
سفر وسياحة رحلات مائية في أورلاندو (نيويورك تايمز)

كيف تُمضي أجمل 36 ساعة في أورلاندو بفلوريدا؟

تعني الرحلة إلى وسط فلوريدا لمعظم الزائرين، زيارة أحد المتنزهات الترفيهية، بما في ذلك «والت ديزني وورلد»، و«يونيفرسال ستوديوز فلوريدا»

إيلين داسبين (فلوريدا)
أوروبا تتمتع إسبانيا بأماكن سياحية جاذبة حتى لتصوير الأعمال السينمائية (إ.ب.أ)

إسبانيا: مخاوف من زيادة عدد السائحين وسط توقعات باستقبال 100 مليون سائح هذا العام

قال وزير الاقتصاد الإسباني كارلوس كويربو إن بلاده قد تستقبل هذا العام ما يصل إلى 100 مليون سائح، وفقاً لبعض التقديرات.

«الشرق الأوسط» (مدريد )
خاص جانب من زوار فعاليات «موسم الرياض» (واس)

خاص السياحة السعودية... ركيزة اقتصادية جديدة تُوازي النفط بحلول 2030

تستهدف السعودية جعل القطاع السياحي رافداً رئيسياً للناتج المحلي الإجمالي، ليصبح بمنزلة النفط في دعم الاقتصاد الوطني بحلول عام 2030، عبر رفع مساهمته إلى 10%.

آيات نور (الرياض)
سفر وسياحة التنظيف جزء من تربية الأطفال السليمة (الشرق الاوسط)

النظافة في اليابان «وسواس قهري» جماعي يسحر السياح

«طوكيو، أنظف مدينة في العالم»، هكذا يقال. لكنك بعد التجوال خارج العاصمة، تكتشف أن علاقة اليابانيين بالنظافة ليست كأي شعب آخر.

سوسن الأبطح (طوكيو)

قصرنبا اللبنانية... بلدة بقاعية تعبق برائحة الورود

مجموعات من لبنان وخارجه تقصد قصرنبا للمشاركة بقطاف الورد ( إنستغرام)
مجموعات من لبنان وخارجه تقصد قصرنبا للمشاركة بقطاف الورد ( إنستغرام)
TT

قصرنبا اللبنانية... بلدة بقاعية تعبق برائحة الورود

مجموعات من لبنان وخارجه تقصد قصرنبا للمشاركة بقطاف الورد ( إنستغرام)
مجموعات من لبنان وخارجه تقصد قصرنبا للمشاركة بقطاف الورد ( إنستغرام)

تشتهر بلدة قصرنبا البقاعية بمروج الزهور التي تغطي مساحات كبيرة من أراضيها. فأهل هذه القرية ينشغلون في فصل الربيع بقطاف الورد. ويحوّلونه إلى منتجات عدة بينها ماء وشراب وزيت الورد. وكذلك يحوّلونه إلى قطع شاي يتم غليها وشربها. فالورد يعدّ من المكونات الطبيعية ذات الفوائد الكثيرة للصحة.

تروي أم عدنان المشهورة بصناعة ماء الورد في قصرنبا، بأن هذا الموسم يمتد لفترة محدودة، تقتصر على شهري أبريل (أيار) ومايو (أيار). وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «يستغرق الموسم نحو 20 يوماً تقريباً، خلاله نقطف الورد الدمشقي. وهو ورد مشهور بنوعيته الممتازة ورائحته العطرة ولونه الزهري».

الصغار كما الكبار يشاركون في قطاف الورد (إنستغرام)

يُزرع هذا الورد على هيئة شتلات تتحوّل مع الوقت إلى أشجار. تتفتّح براعمه في شهر أبريل. ويتم قطفه يومياً في الصباح الباكر. وهنا يتدخّل ابن أم عدنان مختار ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا نقوم بمهمتنا باكراً في الصباح؟ لأن الورد يكون نديّاً لم يتعرّض بعد لأشعة الشمس. كما يغيب النحل عن التحليق في الجو. فنقوم بقطفه براحة أكبر، ويكون محتفظاً بجميع خصائصه».

أما المراحل التي تمر بها صناعة ماء الورد فتذكرها أم عدنان: «أولاً، وبعد قطف الورد نقوم بتنقيته وتفتيح أوراقه. ومن ثم نضعه في المياه الساخنة في وعاء نحاسي. ويتم إقفاله وإيصاله بالـ(كركة)، وهي الآلة التي نستخدمها لتقطير ماء الورد».

في هذا الوقت يتجمّع بخار الورد المنقوع بالمياه الساخنة. ويمرّ في القسطرة المخصصة له، على أن يتم تبريده دائماً كي يتحوّل البخار إلى ماء.

يزرع الورد على مساحات واسعة من أراضي القرية (إنستغرام)

وتعدّد أم عدنان أنواع المنتجات التي يمكن استخراجها من الورد. «هناك زهور الورد التي نشربها كالشاي، وكذلك زيت الورد الذي يستعمل للبشرة. والورد المطحون الذي يضاف إلى الكبّة أثناء تحضيرها في الجرن الرخامي».

ويشير الابن مختار الذي تخصّص في علم الزهور والنباتات، إلى أن مجموعات أجنبية ولبنانية تقصد قصرنبا لهذه الغاية. فيشارك أصحابها في قطاف الورد على مدى 20 يوماً، ويقيمون في البلدة ليتناولوا صباحاً وجبة الفطور البلدية.

وتتضمن هذه الوجبة المنقوشة بالزعتر والبيض بالقاورما واللبنة البلدية. كما أن الرحلة إلى قصرنبا يرافقها مشوار إلى مَعْلم أثري فيها. ويستطرد مختار: «عادةً بعد قطاف الورد مباشرة نتوجّه إلى هذه القلعة الرومانية. نمضي فيها بعض الوقت لاستكشافها مع زوارنا. ومن ثم نعود أدراجنا إلى الأرض لنكمل مهمتنا في صناعة ماء الورد».

يجمع في السلال قبل البدء في صناعة منتجاته (إنستغرام)

واستطاعت قرية قصرنبا تسليط الضوء على موسم قطاف الورد في لبنان. إنها وردة لها تاريخها الطويل وتعرف باسم (rosa Damascus)، وتعني بالعربية (الوردة الدمشقية). طال انتشارها بلداناً أوروبية. وهي مشهورة أيضاً بورد الطائف في المملكة العربية السعودية.

يستغرق قطاف الورد نحو 4 ساعات يومياً، ويتم قطافه بكميات كبيرة تعدّ بالأطنان.

ويشير مختار إلى أن شهرة هذا الموسم زادت بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. وحالياً هناك بعض صنّاع ماء الورد في القرية يوزعونها على محلات تجارية وسوبرماركت.

"ام عدنان" تحضّر لصناعة ماء الورد (إنستغرام)

ويضيف مختار: «في هذا الموسم تعبق قريتنا برائحة الورد، فتتعطر بالورد الدمشقي على مدى 20 يوماً».

وقطاف الورد لا يقتصر على الكبار فقط، إذ يتمسك بعض العائلات باصطحاب جميع أفرادها من كبار وصغار. وتختم أم عدنان لـ«الشرق الأوسط»: «العيش مع الورود له متعة خاصة، وينعكس إيجاباً على حالتنا النفسية. كما أن مشهد الورد المزروع في كل مكان يحضّنا على التواصل مع الطبيعة تلقائياً».

وإضافةً إلى موسم الورد، تشتهر قصرنبا بموسم قطاف العنب، فيصنع منه أهل القرية منتجات عدة بينها دبس ومربّى العنب.