شاشة الناقد: ثلاثة أفلام عربية عن المرأة وظروفها

«بيت ساكن» (بلايسلس برودكشنز)
«بيت ساكن» (بلايسلس برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام عربية عن المرأة وظروفها

«بيت ساكن» (بلايسلس برودكشنز)
«بيت ساكن» (بلايسلس برودكشنز)

كلب ساكن ★★★★إخراج: سارة فرنسيس

لبنان | دراما | ألوان (92 د)

عروض 2025: مهرجان روتردام

العالم الذي تشيده المخرجة سارة فرنسيس صغير المساحة شاسع الإيحاء: المنزل، المطعم، السيارة، ولا شيء آخر. زوجان (شيرين كرامة ونداء واكيم) في بعض جبال لبنان خلال زيارة الزوج بعد غياب سنوات في أفريقيا. حضور زوجها لا يبدد وحدتها خلال الأيام القليلة التي تدور فيها الأحداث.

عودة الزوج لا تحل مشكلات قائمة. لا هي رحبت، ولا هو يبدو سعيداً. حين يتحدث كلٌ منهما إلى الآخر، فإن المرأة هي التي تبدو كما لو كانت فعلاً تريد التواصل من جديد. أما هو فيميل للكتمان. حين تُطرح الأسئلة عليه، فإن جوابه ليس شافياً.

لا يفتح الحوار بينهما نافذة لتطوير العلاقة، ولا الخروج من المنزل مرَّة يحل العقدة. في أداء نداء واكيم تناسب الشخصية الواجمة التي تبدو مغلفة بحب النفي. وجهها صعب القراءة. لكن شيرين كرامة هي التي يمكن التعاطف معها وفهم قضيَّتها وتأييدها.

فيلم سارة فرنسيس ساكن كعنوانه. ثري بالتفاصيل الصغيرة. شريط الصوت مُعنى به جيداً، كذلك يُثير الإعجاب توقيت الحوار والحركة وتأطير اللقطات (تصوير مارك خليفة) لدقته. التعليق الصوتي يأتي في الأوقات الصحيحة، يُدلي ولا يزيد، رائع في كلماته. نصف الساعة الأخيرة كان يمكنها التوسع قليلاً حتى يخرج من ممر الحكاية الضيق.

عايشة ★★★ إخراج: مهدي م. برصاوي

تونس/ فرنسا | دراما | ألوان (123 د)

عروض 2025: مسابقة «مركز الفيلم العربي»

يُقدم سيناريو البرصاوي حالة بطلته آية (فاطمة سفار) العائلية. امرأة شابة تعمل منظفة غرف في فندق، تستقل الحافلة للذهاب إليه والعودة. في البيت تجد نفسها محملة بالمتطلبات وتواجه والدتها التي تريدها أن تتزوج من رجل لا تحبه. بعد ربع ساعة أو نحوها، يمر كلب أمام الحافلة المنطلقة. يحاول السائق تجنب دهسه، لكن الحافلة تهوي بجميع من فيها إلى الوادي. الناجي الوحيد هو آية التي تستغل المناسبة لتتقمص حياة جديدة، فلا دليل على أنها ما زالت على قيد الحياة.

«عايشة» (سينيتلي فيلم)

حين تنتقل إلى المدينة للعمل فيها، تجد نفسها في صراعات جديدة. بلا هوية، تخشى القبض عليها لأي سبب. هناك من يحاول مساعدتها بعد أن أدرك هويتها الحقيقية. كان يمكن للسيناريو إيجاد أحداث أكثر اختلافاً عن خياراته، ترفع من شأن الحكاية. «عايشة» (والعنوان يحمل سخرية ملحوظة) يدور حول المرأة في الأوضاع المتأزمة التي لا تنتهي. الهوية الجديدة لآية مناسبة سانحة لبداية جديدة، لولا أنه من الصعب الخروج من الماضي. المشهد الذي يكتشف فيه والداها أنها ما زالت على قيد الحياة فيه ضعف في التنفيذ. رغم كل هذا، فيلم جيد في تنفيذه، وتؤديه الممثلة سفار جيداً.

الجميع يحب تودا ★★⭐︎

إخراج: نبيل عيوش

فرنسا | دراما/ غناء | ألوان (92 د)

عروض 2025: مسابقة «مركز السينما العربية»

يضع المخرج المغربي نبيل عيوش العربة أمام الحصان في فيلمه الجديد «الجميع يحب تودا». مشهد الافتتاح هو لتوده (نسرين الراضي) وهي تغني في حفل صغير مع عازفين وجمهور محدود. ما إن تنتهي، ننتقل إليها وهي تقاوم اعتداء رجال ممن حضروا الحفل.

بذلك، يُسارع المخرج (وكاتبة السيناريو مريم توزاني) في تقديم حالة مجسدة تبدأ وتنتهي بهذا الجزء، طالما أنه لا شيء يُذكر سيعود إلى هذه الحادثة لاحقاً.

«الجميع يحب توده» (علي برودكشنز)

بكلمات أخرى، لو انتهى مشهد الغناء الشجي من دون الانتقال إلى مشهد الاعتداء لما ترك ذلك أي اختلاف، ما دام الفيلم، ومحوره تودا، يسبر غور طموحاتها وفنها بعدما انتقلت إلى مراكش. تودا لديها ولد أبكم تربيه من دون زوج، وحلم يراودها من دون تردد. إنها تريد أن تصبح من «الشيخات» (مغنيات الفولكلور المغربي المعروف بـ«الغيطة»)، ومن أجل ذلك تخوض ظروفاً تتقدم بها وتتراجع، يعتمد ذلك على اختيارات الفيلم من الأحداث. حقيقة أن الفيلم يدور حولها بكل ما لديه من رغبة في تعزيز شخصيتها ووضعها في صميم معالجته هو فعل جيد. كان عيوش قد وجَّه اهتمامه إلى المغنيات ذوات الأحلام الممكنة، حتى وإن كان الوصول لتحقيقها صعباً، كما في فيلم «كل ما تريده لولا» (2007). كذلك اهتمامه بالشيخات يعود إلى حين قدّم فيلمي «يا خيل الله» (2012)، و«رازيا» (2017).

المشكلة هي أن المخرج إذ يطلب من المشاهدين تأييد بطلته في أحلامها ومساعيها وشخصيتها المتمردة، لا يفعل الكثير في النواحي الدرامية، متكلاً فقط على حسن غنائها وحيوية الغناء والموسيقى. فيما عدا ذلك، هناك سرد اعتيادي للمواقف والحوار يفصل بين الأغاني والرقصات.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

السينما الفلسطينية الجديدة تخترق جدران الصمت

سينما «إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)

السينما الفلسطينية الجديدة تخترق جدران الصمت

لم يتناول فيلم الأخوين عرب وطرزان ناصر «كان يا ما كان في غزّة» الوضع الآني فيها؛ كونه صُوِّر قبل اندلاع الحرب الطاحنة فيها.

محمد رُضا (لندن)
سينما لقطة من فيلم «سعيد إنك ميت الآن»

شاشة الناقد: صور من داخل فلسطين وخارجها

«سعيد أنك ميت الآن» فيلم قصير (14 دقيقة) يحمل حكاية بسيطة نحيفة كما الورقة طُبع السيناريو عليها. لكن ما يظهر على الشاشة عميق ومتميز بوجدانياته.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق مينا مسعود وشيرين رضا خلال العرض الخاص (الشرق الأوسط)

«في عز الضهر»... مينا مسعود يخوض منافسة الموسم السينمائي الصيفي بمصر

احتفل صناع فيلم «في عز الضهر» بالعرض الخاص له في القاهرة، الاثنين، داخل إحدى الصالات السينمائية، وهو العمل الذي تستقبله دور العرض السينمائية، الأربعاء.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز تعود للسينما بفيلم «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

نجوم مصريون يعودون للسينما بعد سنوات من الغياب

تشهد شاشات السينما المصرية خلال الفترة المقبلة عودة عدد من الفنانين الذين اختفوا لفترات طويلة، بعد تصدرهم لأدوار البطولة.

مصطفى ياسين (القاهرة )
يوميات الشرق عصام عمر والكلب رامبو في مشهد بالفيلم (الشركة المنتجة)

«السيد رامبو» و«دخل الربيع يضحك» للمشاركة في «عمّان السينمائي»

تشهد الدورة السادسة من مهرجان «عمّان السينمائي» المقررة إقامتها في العاصمة الأردنية من 2 إلى 10 يوليو (تموز) المقبل حضوراً مصرياً لافتاً.

أحمد عدلي (القاهرة )

السينما الفلسطينية الجديدة تخترق جدران الصمت

«إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)
«إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)
TT

السينما الفلسطينية الجديدة تخترق جدران الصمت

«إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)
«إن شئت كما في السماء» لإيليا سليمان (ركتانغل برودكشنز)

لم يتناول فيلم الأخوين عرب وطرزان ناصر «كان يا ما كان في غزّة» الوضع الآني فيها؛ كونه صُوِّر قبل اندلاع الحرب الطاحنة فيها. وبالمثل، لم يتطرّق فيلم «لا أرض أخرى» إلى ما شهدته فلسطين من أحداث خلال الأشهر الثمانية الماضية؛ لأنه أيضاً صُوِّر قبل ذلك. الأول فيلم روائي، والآخر تسجيلي، وكلاهما فاز بجوائز مهمّة.

نال «كان يا ما كان في غزّة» الجائزة الأولى في تظاهرة «نظرة ما» في مهرجان «كان» الأخير. أما «لا أرض أخرى» فكان قطف جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان «برلين»، ثم الجائزة نفسها في حفل «الأوسكار» الأخير.

«ذاكرة خصبة» لميشيل خليفي (كينو ڤيديو)

مباشِرة وخطابية

الذي فاز في أوسكار أفضل فيلم تسجيلي طويل هذا العام وجائزة أفضل فيلم تسجيلي في «مهرجان برلين» في العام الماضي. نجاحهما يُسجَّل لسينما فلسطينية لديها الكثير مما قالته سابقاً وما تود قوله اليوم وفي الغد.

بسبب غياب أرشيف موحّد وموثّق يرصد إنتاجات السينما العربية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، يصعب إجراء إحصاء دقيق لجميع هذه الأعمال. ومع ذلك، تُقدَّر الأفلام التي تناولت القضية، سواء أُنتجت داخل فلسطين أو في بلدان عربية وأجنبية، منذ النكبة وحتى اليوم، بأكثر من 400 فيلم، تتنوع بين الروائية والتسجيلية، القصيرة والطويلة.

جميع هذه الأفلام تقريباً عرضت حقّ الفلسطينيين في أرضهم، وندَّدت باستخدام إسرائيل القوة والعنف لتغيير الواقع القائم.

منذ السنوات الأولى للصراع، وحتى يومنا هذا، احتلت الأفلام التي تناولت الوضع الفلسطيني مساحة كبيرة من الاهتمام بسبب الصراع العربي - الإسرائيلي عبر العصور والحروب المتكررة التي دارت إلى اليوم. عبر تلك السنوات انتقلت «القضية» من أفلام دعائية وعاطفية لجذب المشاعر الوطنية لدى الجمهور العربي إلى أفلام مدروسة بنجاح أو ببعض الفشل. الأفلام السابقة كانت دعائية مباشرة على نسق «الفدائيون» لكريستيان غازي (لبنان، 1967)، و«كلنا فدائيون» لغاري غرابتيان (لبنان، 1969)، و«الفلسطيني الثائر» لرضا ميَسّر (مصر، لبنان، 1969).

غسان مطر في «الفلسطيني الثائر» (أ آر تي)

في الفترة نفسها، أُنجزت أفلام تسجيلية – وثائقية على يد مخرجين عاشوا في المخيمات الفلسطينية في لبنان، تناولت تاريخ الاحتلال وكيف وقع، أو تناولت النتائج الدموية للغارات الإسرائيلية على لبنان في الستينات والسبعينات. ليست هذه الأفلام خارج إطار السينما الفلسطينية أو بعيدة عنها، بل تُشكّل جزءاً مهمّاً من مجموعها العام، لكنها واكبت فترة كانت فيها تلك الأفلام (روائية أو تسجيلية) ذات خطاب مباشر، تقصد ما تطرحه بوضوح، لكنها لا تُعنى كثيراً بكيفية هذا الطرح.

من مطلع السبعينات، تبدّلت الصورة كثيراً. قدّم مخرجون ينتمون إلى السينما الجادة أعمالاً واقعية ومؤثرة، من دون اعتماد الشعارات المرفوعة أو مشاهد الابتزاز العاطفي. من بين هذه الأفلام: «المخدوعون» للمصري توفيق صالح (1972)، و«كفر قاسم» للبناني برهان علوية (1974)، وكلاهما من إنتاج مؤسسة السينما السورية، و«عائد إلى حيفا» للعراقي قاسم حول (في مطلع السبعينات).

بعد نحو 8 سنوات بادر مخرجون فلسطينيون في تحقيق أفلام جادة عن الموضوع الفلسطيني ومن زاوية ما هو مُعاش وواقعي.

في هذا الإطار، تأتي مساهمات المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي متميزة ومهمة. فقد أخرج «ذاكرة خصبة» (1981)، موثقاً فيه رفض امرأة فلسطينية بيع أرضها أو التخلي عنها بأي ثمن. بعد ذلك، أنجز في عام 1987 فيلم «عرس الجليل»، قبل أن تتباعد أفلامه (كان آخرها «زنديق» عام 2014).

خليفي (الذي اتخذ من بلجيكا موطناً له) كان الصوت الفلسطيني الأول في تلك الفترة، تبعه رشيد مشهراوي (ابن غزة) الذي تميّز بغزارة أعماله، ومن بين آخرها «الكتابة على الثلج»، وإنتاجه في العام الماضي «من المسافة صفر» الذي أشرف فيه على جمع 22 فيلماً قصيراً لمخرجين من غزة.

السينما الفلسطينية تطورت من أفلام دعائية إلى أعمال واقعية حاصدة جوائز دولية مرموقة

ثالث القادمين من قلب فلسطين هو إيليا سليمان. أفلام سليمان، من بينها «الزمن المتبقي» (2009)، وفي 2019 «إن شئت كما في السماء» (حمل عنواناً آخر هو It Must Be Heaven)، كانت إضافات نوعية مهمّة تنتمي أسلوبياً لموهبة مؤكدة.

في الفترة القريبة نفسها، أنجز هاني أبو أسعد أفلاماً تحكي وقائع فلسطينية حاضرة، كما في «الجنة الآن» (2005)، و«عمر» (2013)، وآخرها «صالون هدى» (2021).

وقامت مي المصري (التي لها باع طويل من الأفلام التسجيلية في هذا المجال) بإخراج «3000 ليلة».

كذلك قدّمت نجوى النجار «بين الجنة والأرض» (2019)، وآن ماري جاسر «واجب» (2017)، التي كانت قد أنجزت سابقاً «ملح هذا البحر» في عام 2008. كلتاهما تنتمي إلى السنوات الـ25 الأخيرة، التي شهدت عدداً كبيراً من المخرجين العرب، المهاجرين والمقيمين، الذين انبروا للإسهام في طرح فلسطين على الشاشات العالمية.

ساهمت المهرجانات الدولية إلى حد كبير في نقل معرفة ما يقع في فلسطين إلى العالم. لكن هذا لم يكن تلقائياً على الإطلاق؛ فالحال أن الصراع العربي – الإسرائيلي لم يعد، منذ عقود، حالة بعيدة عن التداول الإعلامي؛ ما يجعل المهرجانات راغبة في الاستجابة للاهتمام العالمي المُنصبّ، شعبياً ورسمياً، حول واحدة من أصعب صراعات الإنسان في سبيل العدالة والمساواة.

هي استفادت من تسليط الضوء على موضوع لم يغادر ناصية الاهتمام العالمي يوماً، والمخرجون استفادوا من مشاهدة أفلامهم وهي تُعرض على الشاشات العالمية، من «تورونتو» إلى «كان»، ومن «ڤينيسيا» إلى «نيويورك».